لم أكن يوما متخيلا نفسي أني سأتجرد من كبريائي واستلقي على ظهري مستسلما لوحش العاطفة الكاسر , كنت قد بنيت صرحا منيعا في قلبي لقلبي نسجته من أفكار عقلانية بحته لا تشوبها أي خلة من ضعف أو ذل أو انكسار فالضعف في رأيي حب والذل عشق والمنكسر هو المتيم .
غالبتني الأيام بطولها وسرقت مني الليالي أجمل ما يخبئه المرء لنفسه وطعن الزمان بي بكل غل ليسلبني كبريائي المعتق في داخلي
لم تكن قطرات المطر تعني أكثر من مجرد حبيبات ماء ساقطة من السماء للأرض ولم يكن الجوري في نظري إلا بديع خلق الله على البسيطة , سطور الرومانسية المعبئة على الورق كانت صفوف من كلام , وطقوس الغزل كانت تمثيل بإبداع , ورسائل الليل و الهوى كانت فقط ...... كلمات .
راق لي ما كنت اسمع منها , لم اكترث بشكل جدي ولم أعي ما كنت انظر إليه , سبقتني الأيام وغرزت فيﱠ ما كنت أجهل فظننت أنه مجرد إعجاب بإبداعها وحضورها الملفت , توالت الأيام و تسارعت الأحداث حتى طافت على كل المسامع والأحداق الكل معجب بما نحن فيه فروايتي وروايتها تعرشا على كيان الحاضرين و قد سلبا منهم الشيء الكثير ما إن انتهينا من سرد الروايتين إلا وتعالت الصيحات وغزانا صوت التصفيق وهتافاتهم المليئة بسرور الاستماع وشعارات التشجيع .
احتدم التحدي وانتقلنا من مرح الهواية إلى قسوة الواجب , فقد كنت اشعر بأنني مجبر على الكتابة و اعتقد بأنها كانت كذلك أيضا
بدأت قصتنا في الجامعة حين طلب منا كتابة قصة قصيرة و ستقرأ القصة الفائزة على الملأ وتطور الموضوع حين أعلن الأستاذ أن القصة الفائزة هي قصتي وقصتها وسنقرئها على التوالي لجمهور الحاضرين .
بدأت في قرأت قصتي وأنهيتها تاركا بصيص من الأمل لإكمال جزء أخر إما هي فتركت نهاية القصة بشكل يحير المستمع فالنهاية كانت متروكة لرأي المستمع , ( أعجبني ما كَتَبَتَ) .
وهنا بدأ المشوار الواجب فسارعنا لكتابة جزء اخر ليتسنى لهم اختيار الفائز منا , واحتدم القصة وتصعد الأمر حين أصر كل واحد منا على أسلوبه وعلى منهجه لم نلتقي قط ولم نتواصل ولو بكلمة .
كان عنوان قصتي ( لا حب للعاقل ) وقصتها ( الحب شاطئ النجاة) أسبوع مضى كبرق السماء وها نحن على المنصة مستعدين لإشهار سيوفنا , لا ادري كم من الحضور هنا ولم أكن اخشي العدد و ارتباك المنصة , صعدت هي المنصة أولا فصالت وجالت في الميدان , تلقي على مسامعهم ما يحبون وينتظرون , خطفت منهم مسامعهم وسلبت من قلوبهم ما سلبت واستأسدت عليهم بكلماتها .
أثرتَ فيﱠ كلماتها المفعمة بعطر الحب وقطرات العشق تتناثر من كلماتها غارزة سيف الحب في صنم إنسان.
عُزفت لها مقطوعة موسيقية من تصفيق المستمعين و صنع لها تاج الفوز مقدما.
انتظر الناس دوري كما ينتظر الوليد أمه , وقفت مستبسلا أمام حشد ترامت أطرافه إلى خارج القاعة و أناس كأنما فرَغَتَ أنفاسهم من صدورهم , انطلقت في الميدان مكسراً ما بنتْ هادما صروح العشق والهوى مستخدما حنكة العقل وجرأة القول طارحا واقعٌ نعيشه كل يوم راسماً خطا عريضا يبينُ ماهيتنا فلماذا يفوز الحب والعقل حاضر ؟؟ ولماذا نخسر ما لم نضطر إلا ذلك ؟ .
استفاق لب الحاضرون وغابت مشاعرهم, أحسست بصراع العقل والمشاعر في داخل كل حاضر منهم, فبدأت أمحو ما رسمت على وجوههم من نظرات وعلى قلوبهم من كلمات, وأبني مكانها سوراً عظيما لأفكاري في عقولهم. فأزلت صورة وهم الحب ووضعت تمثالا للعقل .
شعرت برائحة الفوز تجوب في كل مكان بالقاعة , لم يطول الأمر حتى أُعلن اسمي كفائز بالمسابقة وتسلمْ جائزة أحسن كاتب ولم أكن أدري لما شعرت بكسرة في خاطري , فنظرت إلى تلك الفتاة تصفق بحرارة وكأن الأمر لا يعنيها فصعدت هي المنصة مهنأةً إياي وتاركتا رسالة على الملاء فقالت ( لقد خط فأبدع وقال فأقنع ووضع ولم ينزع وأنا لن اترك أفكاري تزول أو تتزعزع )
ومنذ تلك اللحظة كسرت كل ما بنيت لنفسي وتراجع عقلي مستسلما ومسك قلبي لجام كياني وقادني قلــــبي إليها فهي ألان زوجتي المخلصة.